برزت في الأسابيع الأخيرة انتفاضة تلاميذية عارمة في جل ربوع البلاد
بدون استثناء، و تجلت هذه الانتفاضة في ترك التلاميذ لحجرات الدراسة و
خروجهم للشوارع من أجل التعبير عن رفضهم لإقدام الحكومة على تفعيل منظومة
"مسار'' المعروفة المجهولة، فهي معروفة لأن لا أحد يخفى عنه ما ترتب عنها
من مظاهرات سلمية و احتقان في صفوف التلاميذ، و مجهولة لأن غالبية التلاميذ
و فئة مهمة من المواطنين و أولياء الأمور يجهلون الهدف الذي ترومه الحكومة
من جراء تطبيق برنامج مسار. و يوما بعد آخر تتصاعد حدة الاحتجاجات و لا
تتراجع رغم الظروف الجوية الصعبة و رغم تعنيف المسيرات أحيانا من طرف قوات
الأمن.
هذه الاحتجاجات بررتها الحكومة بوقوف جهات معينة خلف هذه الاحتجاجات،
حيث تدفع بالتلاميذ إلى الشارع و تمرر معلومات مغلوطة عن المنظومة من أجل
تسديد ضربات غير مباشرة للحكومة و اعتبر بعض المنتمين لحزب العدالة و
التنمية أن هذه الاحتجاجات هي بمثابة ثورة للكسالى. و ارتباطا بالموضوع،
أطل رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، من عدة منابر
إعلامية المكتوبة منها أو المرئية، ليأكد أن منظومة التدبير المدرسي
"مسار"، التي باشرت الوزارة تفعيلها، تروم تحسين مردودية النظام التربوي
الوطني وتعتمد التدرج في تنزيليها، وهي لا تضر بالتلاميذ، بل تخدم مصلحتهم
ومصلحة أوليائهم. كما أكد رئيس الحكومة "عبد الاله بنكيران" على أن الحكومة
ستواصل العمل بمسار و لن تتراجع عنه لأنه يصب في مصلحة التلاميذ، فيتبين
من خلال الخطاب الرسمي أن مسار يسوق على أنه الحل الوحيد و الأنجع لحل
مشكلات التعليم التي لا حصر لها.
كل ما في الأمر هو أن الحكومة قصرت بشكل ملحوظ في شرح مضامين برنامج
مسار ولا زالت مقصرة إلى حد الساعة لأن شريحة مهمة من التلاميذ وصلتهم
معلومات مغلوطة و توصلت اجتهاداتهم لفهم البرنامج إلى نتائج عكسية و مناقضة
لما تود الحكومة ترويجه، فدفعتهم غيرتهم على تحصيلهم الدراسي إلى معارضة
البرنامج جملة و تفصيلا خاصة و أن الحكومة لم تشركهم في إعداده، فصعّدوا
لهجتهم و ارتقت شعاراتهم من مجرد المطالبة بإلغاء مسار إلى المطالبة
بإصلاحات هيكلية وجذرية للمنظومة التعليمية برمتها.
وإذا ما أمعنا النظر جيدا في إيجابيات برنامج مسار فنخلص إلى أن المغرب
في حاجة لهذا النظام رغم عدم تموقعه على رأس أولويات التعليم في المغرب،
لكنه على الأقل سيضمن سهر الأساتذة على ملء دفتر النصوص في موقع برنامج
"مسار" مع نهاية كل حصة، مما سينهي الغيابات المتواطئ عليها مع الإدارة ،
كما أن هيئة التفتيش ستكون مجبرة على أداء واجبها في التأطير و المراقبة
التربوية، لأن البرنامج يلزمها بملء تقاريرها و وضع نقاط تقويم الأساتذة في
مسار، و من شأن المراحل الأخيرة من تنزيل البرنامج أن توفر للتلاميذ و
أولياء أمورهم إمكانية الاطلاع على نتائج أبناءهم وتتبعها ومراقبة تغيباتهم
والاطلاع على لائحة العطل ومواعيد إجراء الامتحانات، و عكس ما تم الترويج
له فإن نقط المشاركة و الأنشطة و الفروض المنزلية إضافة إلى نقط المراقبة
المستمرة ستبقى من اختصاص الأساتذة و لن يحرم التلميذ منها. و رغم استحالة
بلوغ هذه الأهداف دون خروقات و تجاوزات، و رغم كونها إجراءات جيدة و تستحق
الإشادة، فإن ما يعاب على الحكومة هو تغييبها للبعد التشاركي في سهرها على
صياغة هذه المنظومة، فلم تشرك المعنيين بالأمر سواء تلاميذ أو أولياء
أمورهم أو أساتذة و مدراء المؤسسات التعليمية في مراحل الإعداد لهذا
البرنامج من أجل إبداء آرائهم وملاحظات واستفساراتهم حول كل الجوانب
التربوية والتقنية و الإجرائية المتعلقة بمنظومة مسار، و الوقوف على محاسن
ومساوئ المنظومة و العراقيل التي واجهتها و تواجهها من ناحية التطبيق، كضعف
صبيب الانترنيت أو انعدامه كما هو الشأن في المناطق النائية، و عدم تمكن
الأطر التعليمية من مهارات استخدام برنامج مسار بسبب ضعف التكوين إضافة إلى
افتقار العديد من المؤسسات التعليمية إلى أبسط شروط التحصيل الدراسي فما
أدراك بالتجهيزات التقنية الضرورية لتنزيل هذا البرنامج، كغياب الربط بشبكة
الانترنيت، الافتقار للحواسيب، وصعوبة العمل بالمحتوى الإلكتروني عند بعض
مديري ومديرات المؤسسات التعليمية،زيادة على إمكانية ولوجه واختراقه
والتعديل على النقط من طرف أي شخص ملم بطرق القرصنة.
بالرجوع إلى مؤشر التنمية البشرية الذي يعد مقياسا مقارنا لمتوسط العمر
المتوقع، ومحو الأمية والتعليم ومستويات المعيشة بالنسبة للبلدان في جميع
أنحاء العالم، نجد أن المغرب يحتل المرتبة 130 عالميا خلف دول كناميبيا و
الرأس الأخضر و خلف أغلب الدول العربية و المغاربية، بل خلف دولة فلسطين
المحتلة التي تحتل الرتبة 110 في التصنيف. هذا دليل على تراجع المغرب
عالميا و عربيا و مغاربيا في مؤشر التعليم و محاربة محو الأمية.
فالمسار الذي نحتاج أن تطبقه الحكومة فعلا هو وضع استراتيجية عمل على
المستوى المتوسط و البعيد من أجل تحسين مستوى التعليم بالبلد عوض اللجوء
إلى الحلول الترقيعية و سياسة وضع "العكار فوق الخنونة"، فهي مطالبة بسد
الخصاص في ما يتعلق بندرة المدارس و حجر الدراسة في المجال القروي و الحضري
على حد سواء، حيث يتم اللجوء إلى ضم الأقسام في الابتدائي، وتقليص ساعات
بعض المواد، أو حذفها في الثانوي، كما أنها مطالبة بتحسين وضعية المدارس في
المجال القروي التي تفتقد لكل الشروط الضرورية من مراحيض و طاولات و
أساتذة و أسقف متهاوية تسقط بين الفينة و الأخرى ولا تعزل التلاميذ عن
محيطهم حيث التساقطات المطرية أو الثلجية تزورهم كل موسم شتاء، و تسمح لهم
بعيش كل الظروف الطبيعية و المناخية. و ليست مدارس المدن أفضل حالا من
نظيرتها في القرى، بل أسوأ أحيانا وأكثر معاناة.
بما أن المسؤولين يدعون الاهتمام بمصلحة التلميذ و يأكدون رغبتهم في
تحسين مستوى التعليم في البلاد، كان حريا بهم أن يركزوا على الأساسيات بدل
إيلاء الاهتمام بالقشور و المظهر الخارجي، الذي و إن شكل إضافة للتعليم فلن
يكون ذا قيمة و انعكاس كبيرين على مستوى التعليم بالمغرب.
تقرير من موقع هسربيس و المشاركة لكم على المواقع الإجتماعية لإظهار الواقع من مختلف جنباته فلا تنسوا المشاركة وانضمّوا لصفحة طريق الباكالوريا على الفيسبوك